أين تقف سوق العقار؟ وإلى أين تتجه؟
حينما تتم مقارنة أوضاع السوق العقارية المحلية خلال الفترة الراهنة، مع أوضاعها قبل عدة سنوات مضت، تحديدا مع عام الذروة العقارية 2014 وما قبله، فستجد أنك أمام فروقات كبيرة جدا، سواء على مستوى إجمالي قيم صفقات السوق وأعداد العقارات المنقول ملكيتها، أو على مستوى الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية بجميع قطاعاتها السكنية والتجارية والزراعية "أراض، فلل، شقق ..إلخ".
لقد انخفضت قيم الصفقات العقارية خلال ما مضى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من عام الذروة العقارية 2014 بنسبة 68.4 في المائة "انخفاض 272.4 مليار ريال"، ويقدر أن ينهي العام الجاري قيم صفقاته العقارية وفقا لمستوياته المتدنية الراهنة مع نهاية العام 2018 عند مستويات تراوح عند مستوى 143 مليار ريال "المستوى الأدنى لها منذ عام 2010"، مقارنة بأعلى قيمة وصلت إليها السوق خلال 2014 عند مستوى 440.3 مليار ريال، بمعنى أنها مؤهلة لفقدان نحو 298 مليار ريال، بنسبة انخفاض تناهز 68 في المائة.
لقد وقف الكثير من العوامل الاقتصادية والمالية حتى الاجتماعية، إضافة إلى عديد من الإصلاحات التي أقرتها الدولة ـ أيدها الله ـ خلال الأعوام القليلة الأخيرة، وراء ما تقف عليه السوق العقارية المحلية بوضعها الراهن، بدءا من انخفاض أسعار النفط في منتصف 2014 وما تلاه من أعوام، ثم تقييد وتنظيم مؤسسة النقد لضوابط الإقراض العقاري قبيل نهاية العام نفسه، وقيام وزارة المالية بترشيد إنفاقها الرأسمالي على المشروعات "أحد أهم العوامل المؤثرة في السوق العقارية"، ولاحقا بدأها بتنفيذ برنامج التوازن المالي، ثم البدء بتنفيذ المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وينتظر اكتمال تنفيذ بقية مراحله خلال الأعوام القليلة المقبلة، إضافة إلى غيرها من العوامل الرئيسة كارتفاع معدلات الفائدة على الريال، وتطوير سوق الدين "سندات، صكوك" كأوعية آمنة لكثير من أصحاب الثروات والأموال، عوضا عن الأراضي كمخزن سابق للثروات، التي أصبحت تواجه رسوم الأراضي البيضاء، وما نتج عنه من ارتفاع عروض بيع الأراضي والعقارات بعد سنوات من احتكارها وعدم تطويرها، ومساهمته في زيادة أعداد الأراضي الخاضعة للتطوير والاستخدام، ثم البدء بتطبيق مبادئ التمويل المسؤول الذي حد من الائتمان العقاري المفرط، وتزامن ما تقدم ذكره مع استمرار إخلاء الوافدين وأسرهم للمساكن المستأجرة "يقدر مغادرة نحو 2.6 مليون نسمة من الوافدين خلال أقل من العامين الماضيين"، وما أدى بدوره إلى انخفاض تكلفة الإيجارات السكنية واستمرار ذلك الانخفاض حتى تاريخه، وأخيرا بدء التطبيق الفعلي لمتطلبات شهادة الاستدامة على المساكن.
كل تلك العوامل وغيرها مما لم يحضر ذكره أعلاه، التي تمت أو هي في الطريق إلى تنفيذها خلال الأعوام القليلة المقبلة، أسهمت مجتمعة في الحد كثيرا من تأثير التشوهات التي كانت مسيطرة إلى حدود بعيدة على السوق العقارية، ووقفت بنسبة كبيرة جدا وراء الارتفاعات القياسية والمبالغ فيها في الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، ما يدفع بالقول إنه في ظل استمرار تلك العوامل وتصاعدها مستقبلا، أن الاتجاهات المستقبلية للسوق العقارية ستواصل سيرها في الاتجاه الراهن منذ 2014 وما تلاه، لعل من أهم جوانبها ما يتعلق بمستويات الأسعار التي لا تزال متضخمة، رغم كل ما تعرضت له من انخفاض، كونها لا تزال بعيدة عن قدرة أغلب أفراد المجتمع الباحثين عن تملك مساكنهم.
وللقارئ الكريم أن يتخيل؛ لو لم تظهر تلك العوامل السابق ذكرها أعلاه على السطح، أين كانت ستقف السوق العقارية المحلية خلال الفترة الراهنة؟ ستظهر لدينا نتائج صادمة إلى حد بعيد، حيث كانت قيم صفقات السوق العقارية ستتخطى سقف 1.0 تريليون ريال بنهاية العام الجاري، أي أعلى من 7.3 أضعاف قيمتها الراهنة! وكانت الأسعار قد ترتفع خلال الفترة 2014 ــ 2018 وتستمر بنفس وتيرتها القياسية السابقة، إذ كانت سترتفع بالنسبة لمتوسط سعر متر الأراضي السكنية بنسبة 293 في المائة، ليصبح متوسط سعر متر الأرض السكنية أعلى من 1900 ريال/ للمتر المربع "اليوم يبلغ 352 ريالا/ للمتر المربع"، وكان متوسط أسعار الفلل السكنية سيرتفع خلال الفترة بنسبة 124 في المائة، ليصل إلى 2.4 مليون ريال/ للفيلا السكنية الواحدة "اليوم يبلغ 757 ألف ريال/ للفيلا السكنية"، وكان متوسط أسعار الشقق السكنية سيرتفع خلال الفترة بنسبة 75 في المائة، ليصل إلى أعلى من 1.0 مليون ريال/ للشقة السكنية الواحدة "اليوم يبلغ 475 ألف ريال/ للشقة السكنية"!
إنها صورة تجاوزناها بفضل من الله ثم بفضل الإصلاحات الهيكلية الجادة التي قامت بإقرارها الدولة ـ أيدها الله ـ وبفضل بقية العوامل الاقتصادية والمالية التي تزامنت مع إقرار تلك الإصلاحات، وللحديث بقية بإذن الله، استكمالا لما تنتظره السوق العقارية في المستقبل القريب والمتوسط، يؤمل أن يتم ويستكمل العمل عليه، لما فيه تحقيق لمصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
لا يوجد تعليقات